اليوم العالمي للطيور المهاجرة والتلوث الضوئي

اتخذت هيئة الأمم المتحدة للبيئة هذا العام عنوان التلوث الضوئي شعاراً لليوم العالمي للطيور المهاجرة WMBD ، والذي يُحتفل به كل عام في الرابع عشر من شهر مايو، من قبل الجهات المعنية بحماية البيئة وحماية الطيور خصوصاً في كل أرجاء العالم. وتم اختيار موضوع هذا العام نظراً لأهميته الكبرى على حياة الكائنات الحية وخصوصاً الطيور.

ولكن وقبل ذلك دعونا نتعرف جلياً عن هذا النوع من التلوث :
يُعرف التلوث الضوئي بأنه المقدار المتسرب من الإضاءة المصطنعة الى الفضاء الجوي للكرة الأرضية في الليل، مما يسبب وهجاً ضوئياً يفقد فيه الليل عتمته، و يؤثر ذلك الوهج سلباً أو إيجابا على مكونات البيئة المتنوعة. وتعاني المدن الكبيرة ذات التعداد السكاني الكبير من مقدار تلوث عالي جداً مقارنة بالقرى النائية.

سماء مدينة نيويورك ليلاً عام 2004 قبل التشريعات الملزمة بالحد من التلوث الضوئي – ويكيبيديا

 

ويعد التلوث الضوئي أحد أحدث أنواع التلوث انتشاراً في المجتمعات الحضرية. والذي تتم دراسته باستفاضة من قبل علماء التلوث وعلماء البيئة في السنوات الأخيرة، نظراً لظهور أثاره المباشرة على بعض مكونات البيئة وذلك بعد انتشار استخدام الإضاءة الكهربائية بشكل كبير في العالم، وخصوصاً في المدن والقرى.

مظاهر وآثار التلوث الضوئي

يعتبر التلوث الضوئي رغم حداثة الدراسات المتوفرة عنه في العالم أحد أنواع التلوث المهمة والمؤثرة جداً على الكائنات الحية وخصوصاً على الانسان. حيث تشير الدراسات المستفيضة لعلماء الفسيولوجيا بأن للضوء أثر كبير على معدلات الأيض وإنتاج وعمل الهرمونات في اجسام الكائنات الحية، مما ينعكس ذلك على صحتها ومقدار نشاطها، بل تشير الكثير من الدراسات عن قصر أعمار بعض الكائنات الحية نتيجة تعرضها الدائم لساعات إضاءة كبيرة في اليوم. كما وضح بعض علماء السلوك ان أنواعً كثيرة من الكائنات الحية لجأت الى تغيير بعض سلوكياتها لتتمكن من التكيف مع هذا الصخب الضوئي المستمر والناتج عن المدن والمجتمعات الحضرية القريبة أو المتاخمة لأماكن إقامتها.

كما يشترك كذلك الكثير من علماء الأحياء والتشريح المقارن وعلماء وظائف الأعضاء في تأكيد أثر التلوث الضوئي على الكائنات الحية من نباتات وحيوانات مائية وبرية مقيمة كانت أو مهاجرة. حيث يُستفاد من نتائج أبحاثهم إلى وجود أثر مباشر على حياة وسلوك وأعضاء الكائنات الحية وعلى رأسهم الانسان.

صورة بالأقمار الصناعية الخاصة بوكالة NASA توضح مقدار التلوث الضوئي في الشرق الاوسط وأروبا . المصدر : مقتطعة من فلم Black Marble المرمر الأسود

 

ومن مظاهر التلوث الضوئي على الكائنات الحية:

– أدرجت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التلوث الضوئي كأحد مسببات السرطان المحتملة خصوصاً سرطان الثدي بسبب زيادة نشاط الخلايا .
– تشير الكثير من الدراسات إلى اثر التلوث الضوئي (التعرض للضوء لساعات طويلة في الليل) في اختلال الساعة البيولوجية واضطراب النوم لدى الانسان والحيوان وتوقف افراز هرمون الميلاتونين الذي له علاقة بتنظيم النوم .
– توقف مجموعات كبيرة من السلاحف البحرية من وضع بيوضها على الشواطئ المضاءة والتي كانت مأوى لها لسنوات طويلة.
– تغير سلوك بعض أنواع العناكب من نصب شباكها في الطبيعة واللجوء إلى المصابيح الضوئية مما يزيد من معدل اصطيادها للحشرات وبالتالي ازدياد اعدادها في الطبيعة على حساب الانواع الأخرى، واختلال التوازن البيئي.
– زيادة معدل نمو الطحالب السطحية في البحيرات بسبب عدم استطاعة العوالق البحرية التغذي عليها وبسبب زيادة فترات الإضاءة والتمثيل الضوئي بسبب الوهج الضوئي. مما يتسبب في قتل النباتات المائية ويؤثر سلباً على جودة المياه.
– انخفاض معدلات إنتاج المواليد والحليب في قطعان المواشي في الحقول في كل من أستراليا وجنوب أفريقيا على اقل تقدير، بسبب قلة ساعات النوم والراحة الناتجة عن التلوث الضوئي .
– وغيرها الكثير من الأمثلة والشواهد على اثر التلوث الضوئي على مكونات البيئة .

 

التلوث الضوئي والطيور

وبما أن الطيور هي محور اهتمامنا في هذه المقالة، وبما اولته لها هيئة الامم المتحدة للبيئة من اهتمام هذا العام بتخصيص اليوم العالمي للطيور المهاجرة تحت عنوان التلوث الضوئي. كان حري بي أن أفرغ لها هذا الجزء الخاص والذي لن اتحدث فيه عن أهمية الطيور كمكون بيئي مهم جداً، بل سوف اذكر بعض الأمثلة المتداولة في إيضاح آثر التلوث الضوئي على الطيور خصوصاً.

– زيادة أوزان الطيور (الدواجن خصوصاً) التي تتعرض إلى فترات إضاءة طويلة في اليوم مما يتسبب في تجاوزها مرحلة السمنة المفرطة ونفوقها بسرعة.
– يؤثر التلوث الضوئي على الطيور التي تعيش في السواحل والاحراش والغابات القريبة من المدن والمدن الصناعية في انتقال الطيور الى المناطق الأكثر عتمه بشكل يومي ورجوعها الى أماكن غذاءها من جديد، مما يُجهد الكثير منها ويؤثر بشكل مباشر على صحتها ومعدلات تكاثرها.
– تنجذب الطيور المهاجرة في خطوط هجرتها المعتادة الى الأبراج الزجاجية والنوافذ المضيئة مما يتسبب في ارتطامها ونفوقها (سجلت هيئة خدمة الأسماك والحياة البرية الأمريكية مقتل ٤ ملايين طائر في سنة واحدة فقط في احدى الولايات الامريكية).

دخلة بيضاء الحلق ميته بعد ارتطامها بزجاج مبنى مضاء ليلاً في شرق المملكة العربية وهي واحدة من اكثر من 300 طائر وجد ميتاً في ذات المكان في موسم هجرة الربيع 2022 الصور بواسطة عضو المجموعة : عدنان آل درويش

 

– تراجع أعداد الطيور بشكل كبير جداً في الحدائق المضاءة، بسبب تراجع أعداد الحشرات التي تعيش فيها والتي تنفق ليلاً بسبب انجذابها للأضواء، حيث تعتبر الأضواء كمصائد ضوئية لها .

– تغير الكثير من خطوط هجرة الطيور العالمية بمعدل ٢٠-٥٠ كيلومتر تقريباً. خصوصاً في مناطق المدن الساحلية نحو المناطق الأكثر عتمه والاقل وهجاً.
– تراجع أعداد طيور البفن Puffins في أوروبا بسبب انجذاب فروخها نحو الأضواء الليلية مما يتسبب في هلاك الكثير منها.
– اضطراب مستويات افراز هرمون الميلاتونين عند بعض أنواع الطيور البحرية ( النوارس والخواضات خصوصاً ) بسبب تعرضها الدائم للوهج الضوئي.
– – تحول بعض طيور النورس الى طيور قمامة تتغذى في أي وقت من اليوم خصوصاً في المدن الساحلية السياحية والتي لا تنام طوال اليوم. مما تسبب في ظهور ظاهرة سلوكية سيئة انتشرت بين انواعه في كل انحاء العالم .
– توقف هجرة بعض الطيور خصوصا التي تهاجر ليلاً بشكل مؤقت نتيجة غياب النجوم بسبب زيادة الوهج الضوئي فوق المدن وما يجاورها.

وبما أن الأمثلة المثبتة والخاضعة للدراسة كثيرة جداً وسيطول الأمر لاستعراضها دعونا ننتقل بكم الى أهم التوصيات العالمية للتقليل من آثر التلوث الضوئي

 

التوصيات العالمية للحد من التلوث الضوئي :

بعد الاعتراف التام بأثر التلوث الضوئي من قبل المنظمات البيئية في ثمانينات القرن الحالي خصوصاً من قبل علماء الفلك وعلماء البيئة والأطباء والوكالات الفضائية. تم سن الكثير من القوانين والتشريعات التي كان لبعضها الأثر الكبير في تقليل التلوث الضوئي في بعض المدن ومن تلك التوصيات:

– إيقاف استخدام الأضواء المتعدية على خصوصية الملكية (التعدي الضوئي العام والخاص )
– التقليل من استخدام الأضواء في المدن والمصانع و المنازل وفق معدل رياضي معين لكل نوع ( فرط الإضاءة ) لا يحبذ تجاوزه بالمجمل العام .
– تغيير أنماط الإضاءة في المدن المتلوثة إلى أنماط اقل تلوث من حيث النوع وجودة الإضاءة .
– إجبار المباني التجارية بأسلوب إضاءة معين يضمن عدم تجاوز مقدار الإضاءة المحدد للمبنى او للمنطقة والمدينة .
– تقليل الإضاءة الخارجية للمنازل والمصانع والقرى القريبة من المجتمعات البيئية للطيور والكائنات الحيه .
– تعزيز مفهوم عكس الإضاءة على العناصر وعدم تسليطها بشكل مباشر للفضاء .
– إطفاء الانارة الداخلية للمباني التجارية والمنازل خصوصاً تلك التي تمتلك واجهات زجاجية لتقليل ارتطام وانجذاب الطيور لها ليلاً .
– تغيير نوع الإضاءة المستخدمة في الشوارع السريعة للأنواع الساقطة والاقل زاوية انتشار.
– إيقاف إنارة الحدائق ليلاً خصوصاً تلك التي تحوي كثافة عالية من الطيور .
– إطفاء أنوار أبراج الطاقة والمراقبة ومراوح الطاقة الهوائية والأبراج الصناعية أثناء مرور الطيور المهاجرة

أنماط الإضاءة السيئة والمفضلة في الإضاءة الخارجية ، حيث نلاحظ بأن التشريعات العالمية توصى باستخدام الإضاءة الساقطة الغير متعدية على عتمة السماء

 

على ذلك يجب علينا كأفراد متخصصين في البيئة، وعلى المؤسسات المعنية بالحماية من التلوث حكومية كانت أم اهليه، تكثيف الجهود في توعية الناس حول مخاطر هذا النوع من التلوث وبذل اقصى مقدار من الإمكانيات في تشريع القوانين الخاصة بالحد من التلوث الضوئي .

Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on print
Share on email

This Post Has One Comment

  1. أ.د منصور إبراهيم المنصور

    مقال جميل .. مبدع كعادتك أ. محمد ..

اترك تعليقاً