يوم العصفور العالمي

العشرون من شهر مارس من كل عام هو يوم عالمي للإحتفاء بالعصفور “Sparrow”  وذلك منذ أكثر من 10 سنوات،  وبالتحديد منذ عام 2010 حيث انطلقت المبادرة من جمعية طبيعة للأبد في الهند و مؤسسة Eco-Sys Action الفرنسية وعدد من المنظمات المحلية والدولية الأخرى .

ولا يزال أغلب المهتمين والمحبين للطيور من أفراد أو منظمات ومجموعات يحتفون بهذا اليوم محاولين إيصال صوت هذا الطائر الجميل بلغتهم وبما يستطيعون ليسلطوا الضوء على ما يقوم به من دور عظيم على كوكبنا هو وأشقاؤه من الطيور المقيمة .

و لأن مجموعة رصد وحماية الطيور هي واحدة من المجاميع المهتمة بالطيور ،  وجميع منسوبيها متعهدين بحفظ وصون الطيور وتقديم كل ما من شأنه المساهمة في تقديم المساعدة لذوات الريش ، فإننا نحتفي هذا العام بعصافيرنا ونشارك العالم هذا الحدث الخاص لنسلط الضوء إعلامياً على ما يقوم به العصفور من أجلنا وما يفترض بنا أن قوم به من أجله.

أعداد غفيرة وانتشار واسع!!

لعل ما يتبادر للأذهان بالنسبة لعامة الناس وما يتشكل لهم من صورة ذهنية محسوسة هو الأعداد الغفيرة والإنتشار الواسع للعصافير، سيما وأنه يكاد لا يخلو مكان في العالم يعيش فيه الإنسان إلا والعصفور يتشارك معه المكان ، سواء كان ذلك في المُدن أو بين حارات الجدران الخرسانية أو في الأماكن الزراعية أو وسط الغابات أو الأكواخ أو الصحاري . ولهذا قد يُطرح أحدٌ ما هذا السؤال : هل يستحق هذا العصفور أن يُخصص له يوماً عالمياً ؟ رغم كثرة أعداده الواضحة وانتشاره الكبير!! ويأتي الجواب على هذا السؤال في نقطتين:

  • أولاً ، الأهمية البالغة للعصافير بالنسبة للإنسان ومشاركتها في تقديم خدمات جليلة تساهم بشكل كبير في الحفاظ على التوازن البيئي ، كما أنها تغنيه عن الهدر الإقتصادي عند اللجوء لبدائل عوضاً عن العصافير.
  • ثانياً ، العصافير وبالرغم من إحساسنا بأعدادها الغفيرة إلا أن الحقيقة العلمية خلاف ذلك، فعلى سبيل المثال قائمة الطيور الحمراء RED LIST تؤكد أن أعداد عصفور الدوري  House Sparrow  بدأت بالتناقص والتراجع.

وماذا يعني لو تناقصت أو اختفت !!

حتى نتخيل السيناريو الذي قد يحصل بسبب التناقص الكبير أو اختفاء العصافير من مجتمعاتنا ، علينا أن نروي مجدداً واحدة من أشهر القصص التي طرقت مسامع الكثير منا. ويجدر الإشارة بأنها ليست رواية من نسج الخيال بل واقع مرير أدى لكارثة حقيقية، القصة كان عنوانها التالي: حملة الآفات الأربع (  Four Pests Campaign )  ، كانت حملة الآفات الأربعة واحدة من الإجراءات التي تم اتخاذها في الصين من عام 1958 إلى عام 1962 . وكانت الآفات الأربعة التي تم القضاء عليها هي الجرذان والذباب والبعوض والعصافير. وتُعرف إبادة العصافير أيضاً بحملة سحق العصافير أو حملة القضاء على العصافير، مما أدى إلى اختلال بيئي خطير، كونه أحد أسباب المجاعة الصينية الكبرى. في عام 1960، انتهت الحملة ضد العصافير وأعيد توجيهها إلى بق الفراش.

هدف الحملة  : كان  القضاء على الآفات المسؤولة على نقل الأمراض والأوبئة:

  • البعوض :  مسؤول عن نقل الملاريا.
  • القوارض : كانت تنشر الطاعون.
  • الذباب المنتشر في الهواء
  • العصفور  خصوصا عصفور الشجر Eurasian Tree Sparrow المسؤول عن أكل بذور وحبوب الفواكه.

وكان يشتبه في أن العصافير تستهلك ما يقرب من 1.8 كيلوجرام من الحبوب لكل عصفور سنويًا. وبالتالي تم تدمير أعشاش العصفور، وكُسِّر البيض، وقتلت الفراخ. وتم تنظيم ملايين من الناس في مجموعات ليقومون بإطلاق النار على الطيور في السماء. أدت الحملة إلى استنزاف أعداد كبيرة من العصافير، مما دفعها إلى الإقتراب من الإنقراض.

تأثير الحملة :

  • أدت موجات الجفاف والفيضانات المتزامنة بالإضافة إلى قلة أعداد العصافير إلى انخفاض محصول الأرز.
  • أدى إبادة العصافير إلى الإخلال بالتوازن البيئي مما أدى لاحقاً إلى زيادة أعداد الجراد والحشرات التي دمرت المحاصيل بسبب الافتقار إلى المفترس الطبيعي.
  • تضخمت أعداد الجراد، واجتاحت البلاد وتفاقمت المشاكل البيئية بما في ذلك إزالة الغابات على نطاق واسع مما تسبب في الإفراط من استخدام المبيدات والسموم.

وأخيراً

لم يكن هنالك من حل إلا أعادة العصفور مرة أخرى، فلجأت الحكومة الصينية في النهاية إلى استيراد ما يقارب 250 ألف عصفور من الاتحاد السوفيتي لإعادة التوازن البيئي وإنهاء الكارثة التي تسبب بها جهل الناس بالمنفعة العظمى والكبيرة للعصفور.

 

إذاً الآن ومن خلال إعادة هذه القصة الواقعية يمكن للسائل أن تستقرأ  السيناريو الذي قد يكون جراء اختفاء أو تناقص أعداد العصفور من مجتمعنا.

ولاستشعار الفائدة العظيمة من قبل العصافير وبالخصوص عصفورنا الشائع وهو العصفور الدوري House sparrow سنذكر أيضاً بأنه وعلى سبيل المثال قد تم إدخال هذا العصفور في أمريكا بهدف مكافحة الحشرات والحفاظ على الأشجار والمحصولات، وهي خطوة لا تُقدم عليها أي دولة إلا نادراً ونعني بذلك أن يتم إدخال طائر دخيل بقصد. اليوم هذا العصفور أصبح متأقلماً ومتكيفاً في بعض ولايات أمريكا بعد أن كان انتشاره مقتصراً على العالم القديم (أوربا وآسيا وأفريقيا).

وقبل الختام ، نود أن نوضّح بأن مفردة عصفور Sparrow لا تعني نوعاً بعينه بل هي عائلة تجمع العديد من الأنواع مختلفة الأجناس فعلى سبيل المثال عائلة عصافير العالم القديم فيها 43 نوعاً أشهرها عصفور المنازل وعصفور الشجر الأوراسي، وعائلة عصافير العالم الجديد تضم 132 نوعاً أشهرها عصفور الشجر الأمريكي.  أما على نطاقنا الجغرافي “شبه الجزيرة العربية ” يجدر الذكر بأن الأنواع المتواجدة والمسجلة لدينا هي :

  • عصفور الدوري “المنازل” House sparrow
  • العصفور الأندلسي Spanish Sparrow
  • عصفور البحر الميت Dead Sea Sparrow
  • العصفور الذهبي العربي Arabian Golden Sparrow
  • عصفور أصفر الحنجرة Yellow-Throated Sparrow
  • عصفور الصخر الباهت Pale Rockfinch

مشاركتنا

ومن هنا تأتي مشاركة مجموعة رصد وحماية الطيور في اليوم العالمي للعصفور بهدف إلفات المجتمع بكافة أطيافه إلى ضرورة الشعور بالنعمة التي منها الله علينا بوجود هذا العصفور في بيئتنا، كما أننا ندعو جميع محبي الطيور بأن يساهموا بأي طريقة في زيادة الوعي، فالأمر لا يتعلق فقط بالإعجاب والنظر لهذه المخلوقات الرائعة بل هي دعوة حقيقية لفعل ما بوسعهم للتأثير على كل من له صلة وعلاقة بمكافحة الطيور في تغيير تفكيرهم تجاه ما يقومون به سواء بطريقة مباشرة كالصيد أو بطريقة غير مباشرة كاستخدام المبيدات والطرق الأخرى للحفاظ على المنتوجات الزراعية ومكافحة الحشرات عوضاً عن ترك المفترس الطبيعي في مهمة مكافحتها.

ولا يخفى علينا نية الكثير من المزارعين في مكافحة العصافير والتي تأتي بداعي الخوف على محاصيلهم الزراعية  إلا أن السؤال الذي يجب أن يُطرح .. هل الضريبة التي يدفعونها ويدفعها المستهلك تستحق ذلك  ؟! سواء كان ذلك على مستوى صحة الإنسان من خلال استخدام المبيدات أو على المستوى الإقتصادي والجهد المبذول في المكافحة!!

كما أننا ندعو عامة الناس إلى استشعار الاستئناس بوجود العصفور وتعايشه معنا، ندعوه إلى التغني بجمالية العصفور وشقشقته التي تعلن عن بدء فجر يوم جديد وأنه جزء لا يتجزأ من علاقتنا وارتباطنا به وبالطبيعة.

Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on print
Share on email

This Post Has One Comment

اترك تعليقاً